الحنين للآيس كريم


كيف تصنع بطلا ..










كانت الاشكالية عند خيري بشارة تتألف من شقين : الاول ان تجد الشاب (الجان) الذي يحقق احلام مدير التصوير مهما شطحت .. ويخطف لب الشاهد ذكرا كان او انثى .. والشق الثاني ان يقنع هذا البطل انه بصدد انتاج فيلم يعتمد على مجموعة من رؤى واحلام وتصورات خيري بشارة عن : مكان جميل ووجه جميل ..






تعمد بشارة ان يكون جمال البطل والبطلة ( دياب وسيمون و جيهان ) جمالا باديا للعيان لا التباس فيه .. هو استخدم وجوها لا يمكن طرح وجهات نظر حولها .. شاب حلو وحواليه بنتين حلوين .. حتى القصة بادية السذاجة التي تعمد بشارة طرحها امام المشاهد طرحها وهو يعلم ان المشاهد سيبتلعها في سبيل متعة الكادر ..




ابطال بشارة يشبهون ابطال ( خان ) .. ليسوا بعيدين عن الحياة الحقيقية لكنهم لا يتواجدون فيها .. هم فقط اكثر سينمائية منهم .. 


عمرودياب مثل في ايسكريم في جليم الشاب الموجود في خيال كل شاب مصري في تسعينيات القرن الماضي .. وسيم - حر - حالم - موهوب - لديه قصته الذاتية التي يلونها حتى التحقيق .. هي شخصية تحمل بساطة احلام ذلك الزمن الطيب .. 




تيمة العاشق المهجور الذي يحقق نجاحا يدعو الحبيبة القديمة لمحاولة العودة اليه ورفضها بعنف .. التي تعتبر اليوم مستهلكة بشل ممجوج .. كانت تيمة رائعة آنذاك تحمس لها المشاهد بشكل لا يصدق .. كان الشباب يصفق لدياب بحماس داخل دور العرض حالما يقوم برمي ( الدبلة ) في وجه سيمون الخائنة ..





بطل هذا الفيلم - عكس ما يتوقع بعض الناس - كان المكان .. عرض لنا بشارة خلاصة اماكن يشعر نحوها بالحنين والاعجاب .. بكامرا متأنية متأملة .. المعادي وشارع تسعة .. اسكندرية وجمال شوارعها الشتوية الفارغة وحنين المكان .. افرد لقطات كاملة طويلة فقط للبطل وهو يتجول بدراجته البخارية مستعرضا محتوى مكاني حول الدراجة ومحتوى موسيقي في سماعات التسجيل في اذن البطل .. بشارة يشترك ايضا مع ( خان ) في ولعه بالشارع ..





بدون مجهود كبير يمكنك ان تميز كاميرا طارق التلمساني الحالمة .. كامرا تعشق وجوه الابطال وتتغزل فيها طوال الوقت .. تعشق التصوير في اوقات صعبة من زاوية الاضاءة .. تعطيك وقتك في لمس الواقع الجميل الذي يحضره اليك حتى مقعدك ..

لم تكن سيمون ممثلة على مستوى ما يرغب بشارة على الرغم انها لم تتجشم عناء مشاهد صعبة او شخصية مركبة .. بينما نجحت جيهان فاضل في الوصول بسهولة الى المشاهد .. ما شاب جيهان من التواجد الباهت كان سببه ان شخصية ( آية ) كانت باهتة على الورق الى حد ما على ما يبدو .. 





لم يجازف بشارة في اختيار بقية شخصيات الفيلم .. واختار ممثلين اكاديميين من النوع الذي يقرأ الورق وينفذ ببراعة دون تدخل من المخرج في كثير من التفاصيل .. علي حسنين واشرف عبد الباقي وحسين الامام و عزت ابو عوف كانوا كذلك .. بل ان مجاميع وكومبارسات الفيلم ايضا كانوا كذلك .. وهي علامة مميزة لأي فيلم يتواجد فيه على ادريس كمساعد مخرج .. لأن بشارة كانت لديه معركة اخرى لتطويع المكان ليكسبها ..



حالة فيلم ايس كريم في جليم هي حالة خاصة .. لممثل يريد - في الحقيقة وليس في الفيلم فقط - ان يكون البطل .. التف حوله مجموعة موهوبة من الممثلين .. الى جانب مدير تصوير يمارس السحر البصري .. ومخرج واسع الخيال يقدم ( الحلو ) كله في سلة واحدة .. يعرض لنا احلامه الشخصية مغلفة بغلاف بطل وسيم وبطلة حسناء .. واكتملت هذه الحالة بجمهور متعطش للقاء هذا البطل - انذاك - لقلة ظهوره السينمائي والاعلامي عموما .. على الرغم من ان السينما المتأملة الحالمة الغنائية التي تداعب الحس كانت في وقت عرض الفيلم نغمة نشازا قوبلت ببعض الفتور من قطاع لا بأس به من جمهور السينما حينئذ .. والتي كررها بشارة بأصرار فيما بعد في ( امريكا شيكا بيكا ) وغيره من الافلام ..

وكعادة السينما .. ما يعتبر تجربة سينمائية عادية او متواضعة في وقته .. قد يتحول في المستقبل الى علامة على زمنه او تأريخا لفن مرحلتة ..




لا تحتاج للأستمتاع بهذا الفيلم سوى أن تشاهده اليوم بعد كل هذه السنين لتمتع بصرك بشباب وجمال ابطال الفيلم و بتألق القاهرة والاسكندرية في لقطات الفيلم .. 
مصر بداية التسعينيات التي نفتقدها اليوم بشكل موجع .. وبموضة هذا الوقت التي ايضا نفتقدها وسط النشاز الذي نراه .. الى جانب الموجة الموسيقية التي تؤرخ لزمانها ليس فقط لبطل الفيلم المطرب ولكن للموسيقى العربية والعالمية في ذلك الوقت .. سيرافقك طوال فترة عرض الفيلم  شعور بالحنين والدفئ والرغبة في العودة قليلا الى الوراء لشم رحيق ماتركته خلفك في الأمس القريب - وتشتاقه - من الزمان والمكان وطعم الحكاية ..

 نصيحة : لا تفوت الفيلم في المرة القادمة التي تراه امامك على اي قناة .. ستظل رهنا طوال مدة عرض الفيم لحنين الأيام الخوالي .






هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

تحليل رائع من شخص متأمل ومتابع للسينما اكثر منه تحليل لناقد فني .. تحليل شعرت معه بحب للعمل اكثر من نظرة الناقد المتحاملة دايما .. عمل رائع :)

كريم يقول...

شكرا :)